أن توقــد شمـعة خير لك ألف مرة من أن تلعــن الظــلام؛
فلقد طُرد الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المدينة؛
فانشأ دولة عادلة ملأت سمع الزمان، وبصره،
وسُجن ابن تيمية؛ فكتب في السجن ثلاثين مجلدًا من العلم النافع ،
ووضُع السرخسي في بئر معطلة تحت الأرض فألّف كتاب المبسوط عشرون مجلدًا،
وأُقعد ابن الأثير فصنف جامع الأصول – أنفع، وأفيد ما كتب فى الحديث.
وتعطَّل عطاء بن أبي رباح عن المكاسب الدنيوية؛ لأمراضه، وضعفه،
فجلس في الحرم ثلاثين سنة يتعلم العلم؛ فصار أعلم من في الدنيا،
وعُمي طه حسين فواصل دراسته حتى نـال العالمية.
إذاً عليك أن تستثمر الوجـه الآخـر للمأساة،
وانظر إلى الجانب المشرق للابتلاء، وتكيّف مع ظرفك القاسي،
واعلم أن العظماء إنما شقوا طريقهم إلى المجد على الجمر،
وعلى الشوك، والتعب، والمشقة؛ بحب وبكفاح وبتوكل على الله .
فإذا واجهتك أزمة، وصدمتك مأساة، فلا تقابلها بالعويل، والبكاء، والتحسر،
بل واجهها بالإحتساب والصبر، والإصرار، على الانتصار، والثبات،والاستمرار ،
فإن العبـاقرة في الغالب لم تكن ظروفهم مهيأة، ولا النعم لديهم مكتملة،
ولا الوسائل لهم متاحة،
فمن كان عنده مال لم يكن لديه صحة ،
ومن رُزق الذكاء كان قد خسر الثروة
ومن مُتِّع بسمعه قد يكون قد فقد بصره ،
فحال الدنيا هو عدم الإكتمال،
فلو أن الدنيا تمّت لأحد من العز والمال، والصحة، والجاه، والسرور، والأمن؛ لصارت جنّة،
ولما كان في الآخرة جنّة ثـانية، فلا تنتظر أن يصفو لك العيش، وتسالمك الأيام،
وتُتاح لك الفرص، ويُفرش لك طُريق المجد بالورود
ولكن انطلق بما أعطاك الله من موهبة، ونعمة، ووظِّفهما وأحسن توظيفهما،
بـالعلم والتدريب واجتهد غاية الاجتهاد،ودائمـا تحرى كل الأسبـاب للتميّز والنجـاح ،
وتذكر أنه عندما تختــار رؤيتـك وأهـدافك الخاصـة بك استفت عقلك أولاً،
واسأله عما اخترت مرة بعد مرة، واصغ إليه جيدا فإنه مرشدك ولن يضيعك،
وأنت أدرى الناس عن نفسك، واخبر نفسـك بصدق
ماذا تحب وماذا تتقن وماذا تريد بالتحديد ؟،
ثم اختـار لك مرشدا أو مُعلمـا تسير على دربـة فهذا المعلم سيوفر لك وقتـا كثيرا ،
ثم أُخبـر الناس بمهاراتك ومعلوماتك، وأحاسيسك،
وافحص أهدافك جيدا تحت ضوء التفكير الدقيق، وناقشها مع نفسك ،
هل هذة الأفكـار تُسعدك وتنهض بك أم أنها أوهام نسجها لك الآخرون؟،
فاستخدم عقلك تكن مبدعا واستعن بأهل الخبرة وأهل العـلم ،
فمهمـا كانت قوة إبصارك فلن ترى بوضوح إذا كان زجاج نظارتك متسخا،
و مهمـا كانت قوة عقلك فلن تصل لأهدافك بدون مرشداً لك
سواء كان كتاب أو معلم أو خبرات الاخرين
،ومهما قرأت عن التفاؤل فلن تعيش بعقلية متفائلة إلا اذا
استعنت بمن يدربك على تطبيق ما قرأت ،
فشتـان بين المعرفة كمعرفة وبين تحويل المعـرفة الى مهـارة
وإذا ضمك الليل بظــلامـة ،فلا تلعن الظــلام، ولكن تعلم أن توقــد شمعــة.
_____________________
مع خالص تحياتي
د. فتحي سعيد
استشاري الصحة النفسية وتطوير الذات
